Friday, March 23, 2012

خواطر ثورية ... اعتصام الجامعة الالمانية ( العشرة جنيه ) !!


السلام عليكم و رحمة الله و بركاته 

مضت ايام قليلة علي تعليق اعتصام الجامعة الالمانية الذي شرفت بانتمائي و مشاركتي فيه بعد رجوع الطلبة المرفودة و قرار المعتصمين العمل علي باقي المطالب من داخل الجامعة ... لكنني في الحقيقة لن اتكلم اليوم عن اسباب الاعتصام و لا اسباب تعليقه و لا المشاكل في الجامعة الالمانية .... اود اليوم ان اتكلم عن الحالة الانسانية التي عشناها جميعا في عشرين يوما تركوا في كل معتصم و مشارك و متفرج علامة لن تمحي علي مدار حياته 

دعوني اصف لكم البداية .... قرار من اللجنة التأديبية التي يترأسها د/ ابراهيم الدميري (وزير النقل السابق في حادثة قطر الصعيد المشهورة ) بالرفد النهائي لطالبين من الجامعة و الفصل لمدة اسوعين لثلاثة اخرين ... لاسباب تتعلق بحرية الرأي في الجامعة و النشاط الطلابي .. لا اريد ان اخوض في تفاصيل الامور الان ... لتبدأ مظاهرة في الجامعة احتجاجا  علي القرار و لتنتهي بقرار بدأ الاعتصام المفتوح في الجامعة .... دعوني اصف لكم المشهد في اول ليلة .... تجلس لتتفقد الوجوه لتجد نفسك وسط اناس لم تجمعك بمعظمهم اي نوع من انواع الصداقة .. بل معظمهم لم تجمع بينهم قبل هذه الليلة حتي كلمة السلام  حتي تجد من يفكر في نفسه و هو يتفقد الوجوه (هو ده معانا في الجامعة ؟؟).. بل ان معظم الموجودين ليسوا علي علاقة وطيدة بالمرفودين اصلا و قد تجد اناس يسئلون (هم فين المرفودين دول ؟؟) .. استرجع المشاهد من اول ليلة و الكل يجلس في دوائر ... دائرة يغنون (اتجمعوا العشاق في سجن القلعة) .. و دوائر من السلفيين و الملتزمين يجلسون يتفرجون .. و دوائر اخري لبعض الاصدقاء ... و تجد المزاحات تتقاذف من دوائر الاشتراكيين الثوريين الي دوائر السلفيين و منها الي دوائر الليبراليين ... ليدخل الذين لا ينتمون الي اي تيار سياسي او ديني فيكملوا المزاح في جو عم فيه الالفة النفسية و ان  لم تكتمل بعد الفة الوجوه  ... و من هنا كانت البداية 

تخيلوا اناس تركوا بيوتهم و راحتهم و حياتهم و اجتمعوا لاجل قضية واحدة ... المهم .. بعد يوم واحد انتقل الاعتصام من داخل اسوار الجامعة الي خارج ابوابها لرفض الجامعة دخول الطلبة المرفودين و المفصولين لداخل الاعتصام ... و بدأ الاعتصام امام البوابة ..... و كانت هذه الخطوة هي البداية الحقيقية للحركة الطلابية داخل الجامعة و خارجها .... تجلس  مساءً  ملتحفا ببطانية صوف لتقيك من البرد القارص للتفقد الامور مرة اخري .. لتجد التعايش بكل ما اتت به الكلمة من معاني ... و ما تلبث ان تأتي ذكريات اعتصام التحرير الاول ايام الثورة الي ذهنك ... التعايش .. لا وجود للتعصب المذهبي و لا الديني و لا السياسي ... تعايش ... معتصمين من جامعة القاهرة متضامنين .. من الجامعة البريطانية ... من الجامعة الامريكية .. من عين شمس ... تجد الاشتراكي الثوري الاصيل مع السلفي حتي النخاع مع الاخواني مع الليبرالي يتشاركون اللقمة و النومة و الضحكة و الحزن ...... تنظر فتتعجب الي ما آلت اليه البلاد من صراعات .. باعدت بيننا لدرجة اننا خونا بعضنا و كرهنا بعضنا .... ثم تنظر الي الحميمية و التعايش داخل الاعتصام فيزيد تعجبك .. كيف نسي افراد هذا  الشعب العظيم او تناسوا خارج الاعتصام ان التعايش هو قبول الاخر بغض النظر عن معتقده او فكره السياسي .. لم يطلب احد من احد ان يتناسي انتمائه الديني او السياسي او الفكري ... و التعايش لم يكن يوما معناه ان تنصهر الافكار في قالب واحد و لكن ان تتجاور الافكار و ان تعيش جنبا الي جنب بلا صدام 

لم يكن الاعتصام باي حال من الاحوال قضية خاصة بين طلبة و ادارة جامعة .. بل اصبحت الساحة امام بوابات الجامعة الالمانية ميدان تحرير جديد .... تحرير للعقول و الافكار .. تحرير من التعصب و الجهل .. تحرير من الانفصال و الانشقاق ... فتنظر بجانبك لتجد سميرة ابراهيم بعزتها و بساطتها العروفة تشاركك الجلسة .. ثم تنظر فتجد احمد حرارة بروحه العالية و خجله المعروف يكلمك عن الثبات و الامل ... فتنتظر قليلا لتجد ماما خديجة ام الثوار تعطيك دفعة من حنان و قوة الام ... ثم تنظر فجأة الي الغبار القادم من بعيد و الشماريخ و الهتافات القوية لتجد الاولتراس اهلاوي جائوا لتزيد الحماسة و قوة العزيمة .... تنتظر يوما لتجد بثينة كامل جائت لتساعدك و يوما نادر بكار و يوما ابو الفتوح و يوما خالد علي و يوما علاء عبد الفتاح ...... مسيرات من معظم الجامعات ... هتافات من القلب .. اغاني ثورية ...امسيات غنائية ثوريه علي الحان العود .... 

لن اكذب و اقول اننا عشنا حياة وردية و لم يكن بيننا خلافات ... كان بيننا خلافات في الافكار و التوجهات و طرق التصعيد و طرق التعامل مع المواقف المختلفة .... كانت هناك اوقات عصيبة كثيرة عم فيها الدمع و الارهاق ... مضربين عن الطعام تنظر اليهم و هم غير قادرين عن الكلام و الحركة ... تصعيد من الجامعة .. تعامل مع الامن ...و..و.. و لكن من وجهة نظري اعظم ما في الاعتصام و الشيء الذي جعل روابط الاعتصام متينة و قوية و لم ينفلت عقدها .. هو الاجتماع المسائي كل ليلة ... كان اجتماع ثقيل علي النفوس لن انكر و لكنه كان مهما لدراسة الخطوات لليوم التالي ... كان مثالا يحتذي به في الديمقراطية و عرض الاراء و النزول لرأي الاغلبية و الالتزام به ... كان معصرة افكار و مخزن لها ... و كانت تصل النقاشات الي الثلاث ساعات ثم يحدث تصويت علي الافكار المختلفة ... كان هذا الاجتماع هو سر من اسرار النجاح و الاستمرار 

عشرون يوما هم مدة الاعتصام .... و جاء قرار عودة الطلبة في اليوم الثامن عشر ... لهذا الرقم سحره الخاص .. ثماني عشرة يوم ... و ان جاء قرار عودة الطلبة مصحوبا بكذب الادارة علي الجميع باعتذار الطلبة .. الا ان رد الاعتصام هو الاقوي .. اذ دخل المعتصمون الجامعة في مسيرة حاشدة تبين كذب الادارة و تحتفل برجوع الطلبة  و بفكرة هي الاكثر جنونا منذ بداية الاعتصام ... مسيرة حب للدكتور الدميري ... لا لم اخطئ في الكتابة .. نعم مسيرة حب في الدميري ... ارتفعت اللائحات "بنحبك يا دميري " و "وزير مش مجرم" ... و الفت الاغاني في حبه .. و جاء رد فعل الطلاب و الامن بأكثر مما كنا نرجوه .. فهذا الفاصل من الكوميديا الساخرة اتي بمفعوله المرجو منه 

لم و لن يكن تعليق الاعتصام هي نهاية النضال الطلابي .. بل سيظل هو البداية لعهد جديد من نضال طلابي داخل الجامعات كلها بل اجدها بداية تعايش و مرحلة جديدة تدخلها البلاد من التعايش .. ان كان شباب كل تيار بهذا القدر من التفاهم و التعايش اذا فالمستقبل يحمل لنا الكثير من الخير  ... فتحية واجبة لكل بطل من ابطال هذا الاعتصام ... و قد قصدت عدم ذكر اسماء .. لان مقصدي من المقال كانت الحالة العامة التي صاحبت الاعتصام .... اما لماذا مكتوب في عنوان المقال (عشرة جنيه) فهذه قصة لن يفهمها الا ابطال اعتصام الجامعة الالمانية =)) ... و للحديث بقية .. ان كان في العمر بقية !!